تواجه المدن مشكلات أمنية خطيرة حيث تواصل الطائرات المُسيَّرة الهواية تحسين تقنياتها وتراجع أسعارها. وقد بدأ المُجرمون باستخدامها في العديد من الأنشطة المُخالفة مثل التلصص على الأشخاص، وتهريب البضائع عبر الحدود، بل وحتى التسبب في تعطيلات ببنية تحتية حيوية مثل شبكات الطاقة. انظر إلى ما يحدث في المطارات مؤخرًا - فبحسب البيانات الحديثة، ارتفعت التقارير عن الطائرات المُسيَّرة التي تحلق في غير أماكنها بشكل غير قانوني بنسبة تقارب 140٪ بعد عام 2020. وحوالي أربع من كل عشر حالات تورطت فيها الطائرات المُسيَّرة تحمل أحمالًا خطرة يمكن استخدامها لنقل المتفجرات أو تهريب البضائع غير القانونية إلى مناطق مُحظرة. هذه الحالات لم تعد مجرد أرقام على جدول بيانات.
يُظهر إغلاق مطار غاتويك عام 2018 هشاشة المدن - فقد تسببت طائرة مُسيّرة خارجة عن السيطرة في إلغاء 1000 رحلة جوية، ما تسبب بخسائر بلغت 75 مليون دولار. تحدث اضطرابات مشابهة الآن أسبوعيًا في الملاعب الرياضية والمباني الحكومية، حيث تتجنب الطائرات المُسيّرة الاكتشاف من خلال الطيران تحت تغطية الرادار أو تقليد توقيعات الطيور.

يواجه المنظمون تحدي تمكين التطبيقات المفيدة للطائرات المُسيّرة - مثل التوصيل في حالات الطوارئ وتفتيش البنية التحتية - مع منع الاستخدام غير المشروع. ويتطلب إطار عمل إدارة المجال الجوي لعام 2023 التابع لـ FAA التتبع في الوقت الفعلي لجميع الطائرات المُسيّرة التي تزيد أوزانها عن 250 غرام، وهو قيد يثقل كاهل المشغلين الصغار دون أن يردع المخالفين الذين يستخدمون نماذج أخف من 250 غرام.
في المدن الحديثة، يتطلب العثور على الطائرات المُسيَّرة دمج تقنيات استشعار مختلفة، لأن الطرق التقليدية لا تنجح في مواجهة الضوضاء الخلفية والعوائق الكثيرة. تقوم ماسحات الموجات الراديوية (RF) باكتشاف الإشارات اللاسلكية التي تتحكم في الطائرات المُسيَّرة، بينما تراقب الرادارات مواقع تحليقها في المناطق الحضرية المزدحمة. وتُستخدم الكاميرات الحرارية عندما تنخفض الرؤية، لاكتشاف الأجسام الدافئة للأجهزة الطائرة حتى في الليل عندما تكون كل الأمور الأخرى مظلمة. أظهرت بعض الاختبارات التي أُجريت السنة الماضية أن الأنظمة التي تدمج بين هذه الأساليب تستطيع رصد الطائرات المُسيَّرة الصغيرة التي تقل أوزانها عن 2 كجم بنسبة نجاح بلغت 92 مرة من أصل 100، بينما تتمكن الرادارات التقليدية فقط من رصد ما يقارب ثلثي تلك الحالات.
يمكن للأنظمة الحديثة للذكاء الاصطناعي التعامل مع إدخالات من سبعة أنواع مختلفة من المستشعرات على الأقل في الوقت الحالي، أشياء مثل كاشفات الصوت والكاميرات التي تتعرف على الصور. عندما تعمل كل هذه المستشعرات معًا، فإنها تقلل من تلك التنبيهات الخاطئة المزعجة التي تسببها الطيور الطائرة أو قطع القمامة العشوائية التي تلتقطها الرياح. وبحسب تقرير أمن الهواء الحضري لعام 2024، فإن هذا التكامل يلغي حوالي 83% من هذه الأخطاء. وقد تم تدريب التعلم الآلي في هذه الأنظمة بمعلومات تمت جمعها من أكثر من 10 آلاف رحلة طيران لطائرات مُسيرة فعلية. ماذا يعني ذلك؟ حسنًا، يمكن لأنظمة الأمان الآن أن تحدد بسرعة نسبيًا ما إذا كان هناك شيء في الجو مجرد طائرة توصيل عادية تقوم بعملها أو شيء قد يشكل خطرًا بالقرب من الأماكن التي تكون فيها السلامة مهمة للغاية.
يمكن للأنظمة الدفاعية الحديثة إطلاق إجراءات مضادة خلال أقل من ثانية واحدة بعد اكتشاف تهديد، وهو ما يعادل سرعة تفوق بثلاث مرات ما يستطيع البشر التعامل معه يدويًا. تبدأ نطاقات الاستجابة بشكل بسيط مع أشياء مثل التدخل في إشارات GPS ضد الطائرات الاستهلاكية الأساسية، وتتصاعد إلى أساليب أكثر تطورًا مثل تعطيل الإشارات الراديوية المركزة لمعدات الفئة الاحترافية. في الوقت الحالي، اعتمد حوالي 40 بالمئة من شركات أمن المدن أنظمةً آليةً لإيقاف الرحلات الجوية غير المصرح بها بالقرب من المواقع الحساسة. ومع ذلك، لا تزال هناك قواعد معمول بها تقيّد بعض أنواع التدخلات المادية في المناطق التي يعيش ويعمل فيها الأشخاص بشكل طبيعي، مما يخلق نوعًا من المأزق بين تحقيق الفعالية ومراعاة مخاوف السلامة العامة لفرق الأمن.
يصبح خطر الطائرات المُسيَّرة غير الخاضعة للرقابة تهديدًا جديًا للبنية التحتية للمدن في الوقت الحالي. تحتاج المنشآت مثل محطات توليد الكهرباء ومراكز معالجة المياه ومحطات النقل إلى أنظمة دفاع متقدمة تجمع بين تقنيات الرادار وأجهزة كشف الترددات اللاسلكية والمستشعرات البصرية لمنع أحداث مثل إلقاء الطرود أو التجسس أو التصادم في الجو. تستخدم العديد من المطارات الكبيرة كاميرات حرارية بالتزامن مع مراقبة حركة الطيران المعتادة لرصد هذه الآلات الطائرة الصغيرة التي تحلق بالقرب من المدرجات ليلاً عندما تكون الرؤية ضعيفة. أما بالنسبة للموانئ، فإن فرق الأمن ترفع من مستوى حمايتها من خلال تطبيق عدة طبقات دفاعية. وبحسب بيانات حديثة صادرة عن مسح الأمن الحضري نُشرت السنة الماضية، فقد أفاد ما يقارب سبعة من كل عشرة مشغّلين مسؤولين عن الخدمات الأساسية بوقوع محاولات اختراق بواسطة الطائرات المُسيَّرة خلال الثمانية عشر شهراً الماضية. هذا الرقم مقلق للغاية إذا أخذنا بعين الاعتبار العواقب الكبيرة التي قد تنتج إذا تمكن أحدهم من تجاوز تلك الأنظمة الدفاعية.
تحتاج المدن المكتظة بالسكان إلى مناهج خاصة تلتقط ما هو مهم دون إثارة الإنذارات دون سبب. فعلى سبيل المثال، في الوقت الحالي بدأت مراكز البيانات الحضرية في نشر أجهزة مسح RF القافزة على الترددات لمواكبة كل تلك الطائرات المسيرة التجارية المشفرة التي تحلق في الجو. أما بالنسبة للجسور والأنفاق، فإن التركيز منصب على تغطية المساحة الرأسية نظرًا لأن معظم التهديدات تأتي منخفضة من الجو حيث لا يمكن للمجالات المرورية تحمل أي اضطرابات. وبالنسبة لمحطات الطاقة، فقد أصبحت تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على التمييز بين الطائرات المسيرة العادية وبين الطائرات المشبوهة. والتقنية فعالة إلى حد كبير أيضًا، إذ تصل دقة أدائها إلى نحو 90 بالمئة وفقًا للاختبارات، رغم أن أحدًا لا يدعي أنها مثالية حتى الآن.
تواجه الفعاليات الكبيرة في المدن المزدحمة مخاطر جدية ناتجة عن الطائرات المسيرة المتطورة هذه الأيام. لقد شهدنا كل أنواع الحوادث – من الطائرات التي تشبه Paparazzi التجسسية التي تراقب الحضور في الحفلات الموسيقية، وحتى المواقف الخطرة التي اضطرت فيها مروحيات الإغاثة إلى تجنب الاصطدام بطائرات مسيرة في منتصف الجو. لقد بدأ معظم المواقع الآن بتركيب معدات كشف متطورة. ويستخدمون أجهزة استشعار للترددات الراديوية إلى جانب كاميرات كشف الحرارة لمراقبة منطقة تصل إلى نصف كيلومتر من محيط الفعاليات. ولكن وفقًا لفحص أمني حديث أجري في عام 2024، لا يزال حوالي أربعة من كل عشرة منظمين للفعاليات غير قادرين على التمييز بين الطائرات المسيرة الهواية والطائرات الضارة فعليًا عندما يكون هناك ضغط كبير من حركة الطيران الجوي.
تواجه إدارة المجال الجوي الحضري عقبات جادة بسبب تداخل السلطات والسياسات القديمة التي لم تعد مجدية. لم تجد مدن مثل ميامي في الجنوب وحتى سيول في آسيا بُدّاً سوى أن تضع كل منها قواعد محلية خاصة للطائرات المُسيَّرة نظراً لانعدام وجود إطار قانوني موحد على مستوى الدولة. وتشترط بعض اللوائح الحديثة الآن تسجيل بيانات تتبع الطائرات الأثقل من 250 غراماً في الوقت الفعلي، لكن الواقع يقول إن تطبيق هذه الشروط لا يتم بشكل منتظم أو فعّال. بدأت المطارات والمركزيات النقل الرئيسية تجرّب نظم الذكاء الاصطناعي المتطورة، والتي يمكنها التعرف على الطائرات المسيّرة المخالفة والسماح في الوقت نفسه بحركة الطيران التجارية المشروعة، وهو أمر يستحق الإشادة حقاً.
الحصول على الناس خلف جهود مكافحة الطائرات بدون طيار يتوقف حقا على إيجاد المزيج الصحيح بين الحفاظ على الأشياء آمنة واحترام المساحة الشخصية. ووفقاً لاستطلاع أجرته الحكومة الحضرية في عام 2023، فإن ثلثي الناس لديهم طريقة لتحديد الطائرات بدون طيار التي تطير بالقرب من المدارس، على الرغم من أن معظمهم يرسمون الخط في مراقبة واسعة النطاق في أحيائهم. خذ أمستردام على سبيل المثال حيث بدأ مسؤولو المدينة في اختبار لوحات التحكم عبر الإنترنت تظهر ما يتم اعتراضه دون الكشف عن من أو أين بالضبط. هذا النوع من الانفتاح يساعد على بناء الثقة بين إدارات الشرطة ومستخدمي الطائرات بدون طيار العاديين في الوقت نفسه يحافظ على البنية التحتية الحيوية آمنة من التسلل غير المرغوب فيه. يظهر النموذج الهولندي كيف يمكن للشفافية أن تسد الفجوات بدلاً من توسيعها عند التعامل مع هذه القضايا التكنولوجية الصعبة.
يتوسع سوق أنظمة مكافحة الطائرات المُسيَّرة (C-UAS) بسرعة كبيرة، حيث يُسجِّل نموًا سنويًا مركبًا يبلغ حوالي 42.8% حاليًا، وذلك بسبب زيادة المخاوف الأمنية في المدن في كل مكان. تحتاج المناطق الحضرية بشكل خاص إلى هذه الأنظمة الدفاعية نظرًا لوجود العديد من المباني والمنشآت المهمة المعرَّضة للخطر من طيران الطائرات المُسيَّرة بشكل مُقرب. وبحسب التقارير الأخيرة، فقد تعرَّض ما يقرب من سبعة من كل عشرة مشغِّلين لاختراقات من نوع الطائرات المُسيَّرة فقط في العام الماضي. ونتيجة لذلك، بدأ كل من الهيئات الحكومية والشركات الاستثمار بشكل كبير في تقنيات متقدمة لكشف الطائرات المُسيَّرة تجمع بين أجهزة استشعار متعددة معًا، كما يتم إنشاء منشآت متخصصة مصممة خصيصًا للتصدي للطائرات المُسيَّرة في البيئات الحضرية الكثيفة حيث لا تعمل الطرق التقليدية بشكل فعَّال بالقدر الكافي.
وبحسب شركة Grand View Research، فإن المدن ستنفق حوالي 3.2 مليار دولار على تقنيات مكافحة الطائرات المُسيّرة بحلول عام 2027، مع نمو سنوي يبلغ حوالي 26.5% مع ظهور تهديدات جديدة باستمرار. الولايات المتحدة وكندا تسبقان باقي العالم بالفعل، حيث تحصلان على نحو 34% من السوق العالمية، وذلك بسبب استخدام هذه الأنظمة منذ سنوات في المطارات الكبرى والمنشآت الرياضية الكبيرة. وفي الوقت نفسه، تجعل الذكاء الاصطناعي من الأسهل اكتشاف تلك الطائرات الصغيرة التي تفوت الرادارات التقليدية رصدها، وهو أمر أصبح واضحًا جدًا بعد عدة مواقف حرجة في العام الماضي عندما اقتربت طائرات مُسيّرة هواة من الطائرات التجارية أثناء الإقلاع والهبوط.